كل المحن يمكن أن يستخرج منها البشر منحاً مادية ومعنوية لو كان لديهم وعي مسبق بكيفية ذلك، ومحن الكوارث الطبيعية رغم فداحتها التي تفطر القلوب هي ككل المحن يمكن أن تكون لها منح، وأهمها ما يسمى دبلوماسية الكوارث، حيث إن هول الكوارث الطبيعية يساعد البلدان التي بينها عداوات وخصومات وحزازيات على تجاوزها وتقبُّل المساعدة والمساندة لضحايا الكوارث؛ لأن الاعتبارات الإنسانية الماسة تكون أكبر من أي اعتبارات سياسية، ومن ثمَّ بعد انتهاء الكارثة يجلسون بنية ودية على طاولة المفاوضات للتوصل إلى تفاهمات مشتركة تحل أسباب الخصومة التي لم تكن لتحل من دون المساعدة بالكارثة؛ لأن أطرافها كانوا يجلسون على طاولة المفاوضات بخلفيات غير ودية، بينما المساعدة الإنسانية التي حصلت أثناء الكارثة تجعلهم يجتمعون للتفاوض برصيد من حسن نيات، وهذا ما يساهم بتسهيل التوصل لتفاهمات تحلّ المشكلات العالقة منذ سنين أو عقود، والدول التي لديها وعي بأهمية دبلوماسية الكوارث في اختصار سنوات من المفاوضات لإنهاء خصوماتها لديها فرق نجدة وإنقاذ مدربة على الانتشار السريع في مناطق الكوارث الطبيعية والصناعية على أنواعها ومجهزة بكل ما يلزم لتكون مساهمتها نوعية وفاعلة بشكل استثنائي يضطر حتى الحكومات التي لديها خصومات معها لقبول مساعدتها، بالإضافة إلى حملة تبرعات عامة شعبية وجسر جوي من الإغاثة العاجلة بالاحتياجات الأساسية للمنكوبين، التي مهما كانت كبيرة فالعائد اللاحق من المنظور الاقتصادي المحض هو أضعاف تكلفة المساعدات -التي يتم تقديمها- والذي يتمثَّل بالفرص الاستثمارية وبخاصة المتعلقة بإعادة الإعمار للمناطق المنكوبة، والحكومة الأمريكية لديها برنامج رسمي تطوعي يسمى «Peace Corps-كتائب السلام» يقوم بهذا الدور، بالإضافة إلى أن جهود الإغاثة والمساعدة في الكوارث تساهم في تحسين الانطباعات العامة عن أي بلد وسمعته العالمية أكثر من أي حملة علاقات عامة ودعاية موجهة تكلف عشرات الملايين، والسمعة والانطباعات الجذابة هي أكبر رأس مال في عصرنا الحالي لأي دولة لأنها تجذب إليها الكفاءات والعقول والاستثمارات والسياحة والدعاية الإيجابية المجانية، والدول العربية للأسف فوتت العديد من الفرص الثمينة بعدم توظيفها لدبلوماسية الكوارث، لذا تحتاج لمطالعة خبرات الدول التي اشتهرت بدبلوماسية الكوارث وفرقها المجهزة تجهيزاً متقدماً تصل إلى المناطق المنكوبة في أي دولة قبل حتى وصول المساعدة الحكومية المحلية إليها وهذا ما يصنع الفارق، وبالنسبة للبلدان العربية التي تعاني من حروب أهلية؛ فالكوارث الطبيعية التي حصلت فيها كانت فرصة لإيقاف وإنهاء الحرب الأهلية لكن تم تضييعها وكان يمكن لتقديم المساعدات النوعية للمناطق المنكوبة أن يشكل رصيداً من حسن النيات يساعد في جهود إنهاء الحرب، ومعضلة البشرية الكبرى أنهم دائماً يفكرون في كيفية استغلال الكوارث بشكل انتهازي سيكوباتي يستغل ظروفها لتحقيق مكاسب على حساب الضحايا المنكوبين كما في ما يسمى «رأسمالية الكوارث»، حيث تستغل المؤسسات الاقتصادية الكبرى الكوارث لتمرير سياسات مضادة للمصلحة العامة ما كان يمكنها تمريرها في الظروف العادية، بل وصل الأمر بالبعض إلى اختلاق الكوارث بأنواعها أو العمل على الإطالة من أمدها أو أمد تبعاتها لغاية تحقيق المكاسب المادية منها، وهذا يمثل أبشع وأسوأ ما يمكن أن يكون عليه البشر، وما تفعله تلك المؤسسات لا يختلف عمَّا تقوم به العصابات الإجرامية من اختطاف أيتام الكوارث والاتجار بأعضائهم وبيعهم للدعارة، لذا يجب تجريم رأسمالية الكوارث وإبطال كل مكاسبها الانتهازية السيكوباتية، بينما دبلوماسية الكوارث تظهر أجمل وأفضل ما يمكن أن يكون عليه البشر عندما يتداعون من أنحاء العالم لإغاثة ونجدة المنكوبين وإن كان هناك تاريخ من العداء مع بلدهم.